ولكأن مخاوف الحرب التي عاشها العراقيون خلال السنوات الماضية لم تكن كافية حتى تتوّج بخبر من نوع غريب: دب يسرح ويمرح في شوارع البصرة! وكما هو الحال مع كل شيء استثنائي، انتشر هذا الخبر في عدد كبير من المواقع الإخبارية المحلية والعالمية مثل ناشيونال جيوغرافيك وسكاي نيوز والتيليغراف وغيرها.
الدب من نوع الدب البني السوري المهدد بالانقراض، ويبدو أنه كان هارباً من حديقة الحيوانات في البصرة، ويجول الشوارع بحثاً عن الطعام. وانتهت قصته بالأسر من جديد، وإعادته إلى القفص الذي هرب منه.
وكان يُظن أن هذا النوع من الدببة انقرض في المناطق الجبلية في بلاد الشام منذ ستينيات القرن الماضي، إلى أن شوهدت أنثى وصغيرها في سلسلة جبال لبنان الشرقية نهاية 2016. ولا تزال أعداد من الدب البني السوري تستوطن المرتفعات في تركيا وإيران والعراق وتركمانستان، وتهددها مخاطر فقدان الموائل نتيجة الأنشطة البشرية، والصيد بهدف الإتجار بأعضائها في العلاجات الشعبية أو استغلالها في عروض سيرك الشوارع.
من الشائع مشاهدة الدببة البرية تبحث عن الطعام في حاويات القمامة ضمن التجمعات الحضرية القريبة من الجبال والغابات في أميركا الشمالية وبعض الأماكن في اليابان وروسيا وشمال أوروبا. لكن عندما يكون الحديث عن دب شارد في بلد عربي، فإن الأضواء تسلّط مباشرةً على قضايا حقوق الحيوان في هذه المنطقة من العالم التي يعاني فيها البشر ما يعانونه.
لست في وارد التماس الأعذار عمّا يحصل في بلادنا من تجاوزات وتعديات على النظم النباتية والحيوانية بشكل يفوق كل تصور، حتى بتنا نشاهد حفلات الصيد العبثي للطيور المهاجرة والحيوانات المهددة تغزو مواقع التواصل الاجتماعي من دون خجل أو وجل، كأنما الشجاعة والجرأة أضحت في مخالفة المنطق السليم وإفساد الأرض وإبادة ما عليها من كائنات.
ولكني أجد في الإيجابية التي تعامل بها أهل البصرة مع الدب، الذي استلطف زيارة مدينتهم، مدخلاً للتنويه بالجهود الطيبة التي يبذلها الأفراد والمنظمات في عالمنا العربي من أجل حماية الحيوانات والنظم الطبيعية بشكل عام. وأشير بشكل خاص إلى "الجمعية الملكية لحماية الطبيعة" في الأردن كنموذج يحتذى على التعاون بين المجتمع المدني ومؤسسات الدولة من أجل تحقيق النجاح المرتجى.
إن التاريخ العربي حافل بقصص التعامل الحسن مع الحيوانات البرية والمستأنسة، وفي التاريخ القريب تكفي الإشارة إلى "جمعية الرفق بالحيوان في لبنان" التي تأسست في بيروت سنة 1927، وكان من بين إنجازاتها الهامة إقامة مستشفى لعلاج الحيوانات المريضة والمصابة.
وفي الأيام القليلة الماضية، شهدت الرياض إشهار "الجمعية السعودية للرفق بالحيوان" التي تسعى لحماية الحيوانات من خلال رفع الوعي بحقوقها، وتوفير المرافق المناسبة لإيوائها ورعايتها في حال تعرضها للأذى أو الإهمال.
تسعون سنة تفصل بين تأسيس الجمعية اللبنانية وإشهار الجمعية السعودية اللتين تحملان الإسم نفسه، وهي فترة كانت حافلة بالكثير من التناقضات في تعاملنا مع الكائنات الحية التي تحيط بنا، بل في تعاملنا فيما بيننا. ولعل السنوات القادمة تجعل من مسألة الرفق بالحيوان في العالم العربي قضية خارج التساؤل والتشكيك.
ليست هناك تعليقات: